إسرائيل تضغط بالنار على لبنان لمقايضة استقراره بمعاهدة سلام

كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
تتوخى إسرائيل من خلال قيامها بشن أكثر من 20 غارة على شمال الليطاني في جنوب لبنان، تُعد الأكبر منذ تخلفها عن الالتزام بوقف النار في 18 فبراير (شباط) الماضي، توجيه رسائل نارية إلى الخارج والداخل تتجاوز، كما تدّعي، تدمير ما تبقى من بنى عسكرية لـ«حزب الله» إلى إعلام الحكومة اللبنانية بأن لبنان لن ينعم بالاستقرار ما لم تقرر الدخول في مفاوضات مباشرة لتطبيع العلاقات بين البلدين، تمهيداً للتوصل إلى التوقيع على اتفاقية للسلام الدائم. وهي تتناغم في طلبها مع دعوة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لـ«الشرق الأوسط» ستيف ويتكوف لبنان وسوريا للانخراط في معاهدة سلام مع إسرائيل.
فإسرائيل أرادت بتوسيع خروقها للبنان باحتفاظها بـ11 نقطة حدودية، وبشن هذا الكم من الغارات في ليلة واحدة، تمرير عدة رسائل سياسية إلى لبنان، ومن خلاله إلى المجتمع الدولي، ليست محصورة بالضغط على الحكومة للتسليم بإلحاق شمال الليطاني بجنوبه بوصفه شرطاً لموافقتها على تطبيق القرار «1701»، وإنما للضغط على الحكومة لمقايضة الاستقرار بالتوقيع على معاهدة للسلام، وإلا فإن الفوضى حاصلة لا محالة، ولن تتمكن من أن تستعيد سيطرتها على الأراضي اللبنانية كافة، وبالتالي لن يكون في وسعها الانصراف لإخراج لبنان من التأزم للانتقال به إلى مرحلة الإنقاذ.
ويؤكد مصدر سياسي بارز أن الوعود الأميركية للبنان بقيام واشنطن في الأسابيع المقبلة بخطوات إيجابية لإلزام إسرائيل بأن تستكمل انسحابها من الجنوب، تبقى حبراً على ورق، ما لم تؤد إلى إقناعها بعدم ربط خروجها من القرى الأمامية الحدودية بالضغط على الحكومة للدخول في مفاوضات لوقف الأعمال العدائية فحسب، وإنما للتوصل معها إلى سلام دائم. وهذا ما ترفضه، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويصر على أن تبقى اتفاقية الهدنة الموقعة بين البلدين عام 1949 الناظم الوحيد لانسحابها من الجنوب.
ويسأل المصدر السياسي، لماذا لا تضغط الولايات المتحدة الأميركية على إسرائيل لإجبارها على الانسحاب من الجنوب، في مقابل التزام الحكومة بتطبيق «اتفاق الطائف» بكل مندرجاته، بدءاً بحصر السلاح بيد الشرعية، وهو يتقاطع في هذا الخصوص مع ما نص عليه القرار «1701»؟ وإلا كيف تترجم ارتياحها لانتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية؟ وهل يتعارض صمتها حيال تمادي إسرائيل في انتهاكها للأجواء اللبنانية الأمامية للقرى الحدودية مع توفير الدعم للعهد الجديد بالتلازم ودخول لبنان في مرحلة جديدة؟
الغارات شمال الليطاني
ويكشف أن الجيش اللبناني ينتشر في البلدات التي انسحبت منها إسرائيل بمؤازرة قوات الأمم المتحدة «اليونيفيل»، وبمواكبة من هيئة المراقبة الدولية لتثبيت وقف النار. ويؤكد أن جنوب الليطاني يخلو من منشآت وبنى عسكرية للحزب، وهي على استعداد لاستكمال مهامها في حال أعلمت إسرائيل هيئة المراقبة بوجود منشآت يجب التخلص منها، وهذا ما يفسر قيام إسرائيل بحصر غاراتها الجوية بشمال الليطاني ومناطق حدودية بين لبنان وسوريا.
ويلفت إلى أن إسرائيل أغارت أخيراً على الوديان والغابات الواقعة شمال الليطاني ولم يسجل أي أضرار مادية أو بشرية، كما يقول مصدر في «حزب الله»، رغم أنها ادعت في بياناتها العسكرية أنها تمكنت من تدمير بنى تحتية عسكرية للحزب ما زالت قيد الإنشاء. ويؤكد أن إسرائيل تهدف من وراء تكثيف غاراتها غير المسبوقة إلى طمأنة المستوطنين بأنها تواصل تدميرها لقدرات الحزب العسكرية ومنعه من إقامة منشآت جديدة وإلى التذرع أمام المجتمع الدولي بأنها في حاجة إليها لاستكمال تدميرها لما تبقى لديه من منشآت.
تحذير الحزب
ويضيف أن إسرائيل تريد أيضاً تذكير قيادة الحزب بأنها عاجزة عن الرد على الخروق، وهي خرجت خاسرة من إسنادها لغزة بخلاف ما تدعيه أمام حاضنتها الشعبية. ويرى أن تكثيفها لغاراتها لم يتلازم، من باب الصدفة، مع ملاحقة النظام السوري الجديد لفلول الرئيس السابق بشار الأسد، وإنما أرادت تحذير الحزب من التدخل في المواجهة الدائرة في سوريا لمناصرة فلوله، رغم أنه ينفي مشاركته فيها، ويقول إن لبنان يتموضع حالياً في منتصف الطريق بين إصرار إسرائيل على مقايضة الاستقرار الداخلي بالتوقيع معها على معاهدة للسلام، وبين التداعيات الأمنية والسياسية المترتبة على نزوح آلاف السوريين إلى عكار وطرابلس من جراء توسُّع دائرة الاشتباكات.
ويؤكد أنه لا قدرة للبنان على تحمّل موجات جديدة من النزوح السوري، فيما كان يراهن على خفض أعداد مئات ألوف النازحين الذين لجأوا إليه منذ عام 2011، ويدعو المجتمع الدولي للتدخل لإعادة الهدوء إلى سوريا بما يمكّن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من إعداد جدول زمني لتنظيم عودة النازحين، نظراً للأكلاف الأمنية والمادية المترتبة على تمديد إقامتهم، خصوصاً أولئك الجدد الذين ينتمون في معظمهم إلى الطائفة العلوية، ويقيمون في بلدات عكارية وطرابلس ذات الغالبية السنيّة، ما اضطر القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة للحفاظ على الأمن ومنع تجدد الاحتكاك الذي يعود لخلافات سياسية مزمنة بينهم وبين النظام السوري السابق.
لذلك فإن اندفاعه العهد الجديد نحو إخراج لبنان من أزماته تتعرض حالياً إلى انتكاسة مديدة، ما لم تتعهد واشنطن بإلزام إسرائيل بالانسحاب من دون ربطه بالتوصل إلى اتفاقية سلام.