الأخبار الكاذبة خلال الحرب على لبنان: تصنيفات عديدة ومواجهتها ممكنة

الأخبار الكاذبة خلال الحرب على لبنان: تصنيفات عديدة ومواجهتها ممكنة
نعيم برجاوي – في ظل الحرب التي عاشها اللبنانيون طيلة 66 يوماً، شكلت الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي ضغطاً إضافياً على المواطنين، بحيث كانت مصدراً للقلق، التحريض، وزعزعة المجتمع وإضعافه.
على مدى نحو شهرين استطاعت وحدة ” لبنان نيوزتدقق” التابعة لقسم الاخبار والموقع الإلكتروني، رصد كمّ هائل من الأخبار الزائفة، معظمها يتمحور حول الحرب سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
من بين تلك الأخبار سلطت “الجديد” الضوء على نحو 120 خبراً مزيفاً بشكل مفصل، بحيث جرى استعراض كل خبر على حدة مع المادة المرفقة له سواء صورة، فيديو، أو نص مكتوب.
وكان من بين مهمة كشف الاخبار الزائفة طيلة فترة الحرب، تحديد مصدر تلك الأخبار، بحيث جرت الإضاءة على أبرز الحسابات على مواقع التواصل التي تتداول أو تفبرك أخباراً زائفة، وتبين ان منصة “أكس” ومجموعات “واتساب” تصدرتا المنصات في الترويج للأخبار الكاذبة، يليها تليغرام، فايسبوك وانستغرام.
في قراءة تحليلية يمكن تقسيم الأخبار الـ 120 وفقاً لأربع تصنيفات، وذلك بناء على المواضيع التي تناولتها تلك الأخبار:
1- عسكرية وأمنية: بلغ عدد الاخبار المزيفة التي تمحورت حول الوضع العسكري والأمني حوالي 50، وكانت عبارة عن معلومات مضللة ومزيفة حول سير المعارك العسكرية، بحيث كانت تنشر معلومات ومقاطع فيديو وصور لا تمت للحقيقة بصلة، فمثلاً كان يجري استخدام فيديوهات من حرب لبنان تموز 2006 او من غزة او من سوريا، وإرفاقها بأخبار على أنها من المعارك الدائرة في جنوب لبنان.
2- إنذارات كاذبة: من بين الأخبار المزيفة التي لاقت رواجاً كبيراً وبلغ عددها 20، كان نشر أخبار عن إنذارات وتهديدات إسرائيلية مزيفة، كتهديد مناطق أو شوارع او أبنية، ما شكل حالة قلق وارتفاع منسوب الذعر بين المواطنين، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي اعتاد اعتماد هذا الأسلوب في التهديدات قبيل شن غاراته على مناطق في بيروت والضاحية الجنوبية ومناطق أخرى.
3- مساعدات: في خضم حالة القلق والهلع، جرى نشر أخبار مزيفة مرفقة بفيديوهات وصور، تزعم وصول مساعدات الى النازحين تحتوي أجهزة تنصت ومواد غامضة وخطرة، وقد بلغ مجموع هذه الأخبار 10، وكان يجري نشرها عقب ساعات أو أيام قليلة من وصول مساعدات من الخارج الى لبنان، ما شكل عامل قلق إضافي للمجتمع اللبناني خصوصاً النازحين.
4- تكنولوجيا: شكلت التقنيات الحديثة والأسلحة المتطورة مادة دسمة لوسائل الإعلام، إلا أن البعض استغل ذلك لنشر أخبار مفبركة تتحدث عن استخدام أنواع من الأسلحة تعتمد على تكنولوجيا مبالغ فيها فيما يشبه أفلام الخيال العلمي، وقد تسبب ذلك بحالة ترهيب إضافية للمواطنين، وقد بلغ مجموع تلك الاخبار 20.
5- آراء سياسية: من بين الأخبار التي رصدناها وعددها نحو 20 كانت أخبار مزيفة حول آراء سياسية نشرت بشكل مضلل وبغير سياقها الحقيقي سواء لسياسيين أو لناشطين، بعضها كان مزيفا بالكامل، وبعضها الآخر تعود الى فترة ماضية، وهو ما تسبب حملات تجييش وتحريض بين فئات المجتمع وفقاً للانتماءات الحزبية والسياسية.
تنوع بحسب الأحداث
روت هالة حمصي مسؤولة قسم “النهار تتحقق” في صحيفة النهار اللبنانية، تجربتها في التحقق من الأخبار خلال الحرب، حيث حددت 4 أنواع من الأخبار المزيفة واجهها فريق التحقق خلال هذه الفترة الممتدة لأكثر من شهرين.
تقول حمصي، إن الأول يتعلق بسير المعارك والمواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل والقصف المتبادل، بحيث كان يجري تداول فيديوهات وصور، لا علاقة لها بلبنان، او ترتبط بلبنان لكنها تعود الى فترات سابقة، وبالحالتين جرى اخراج تلك المواد من سياقها الحقيقي، وهنا كان دورنا تحديد السياق وتصويب الأمور كما يجب.
أما النوع الثاني من الأخبار الزائفة، جاء عقب اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في في 27 أيلول 2024، حيث جرى نشر فيديوهات وصور وتسجيلات مركبة تزعم ان امين عام الحزب لا يزال على قيد الحياة، كما جرى تداول صور لأشخاص يشبهونه، فضلاً عن استخدام الذكاء الاصطناعي للغرض ذاته، إضافة الى صور وفيديوهات، أخرجت من سياقها، وهنا كانت مهمتنا توضيح الأمور للقرّاء وتبيان الخبر اليقين، وفقاً لحمصي.
وتضيف أن النوع الثالث، كان انتشار الأخبار الكاذبة بشكل شبه يومي حول تنبيهات وإنذارات “زائفة” لقصف بعض المناطق في لبنان، هذا النوع من الأخبار المزيف كان هدفه زعزعة الأمن ونشر الذعر بين الناس والتسبب بقلق كبير، تزامنا مع الحرب التي كنا نعيشها.
ورابعاً، احتلت الصور والفيديوهات التي جرى فبركتها بواسطة الذكاء الاصطناعي مساحة واسعة وغير مسبوقة من الأخبار الزائفة، وقد حازت للأسف على مشاركات واسعة أكثر من الصور الحقيقية في بعض الأحيان، وفقاً لهالة.
“كنا متأهبين خلال الحرب، رغم كل الضغوطات”، هكذا وصفت هالة الوضع في حديثها عن الصعوبات التي واجهت المدققين بالأخبار خلال الحرب، مضيفة “كان لدينا لحظة قلق وتنبه لما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي نظراً الى حجم التداول الخاطئ للاخبار والفيديوهات”.
وتقول: “كان لدينا هواجس وتساؤلات حول ما إذا وصلت المعلومة التي دققنا بها وتم تصحيحها الى جميع المواطنين، والسؤال الآخر كان، لماذا هذا العناد بتصديق الفيديوهات والأخبار الكاذبة، وتداولها مجدداً من فترة الى أخرى. وما الهدف من ذلك خصوصا ان بعض الحسابات تنشر الخبر الزائف رغم التدقيق به وتصحيحه.
سلاح ضد الجبهة الداخلية
يرى الدكتور في “علوم الإعلام” علي رمال أن الأخبار الزائفة تستخدم كسلاح ضد الجبهة الداخلية، ويقول: “صحيح أن الحرب تحصل عند الحدود، لكن ما يحصل في الداخل يعتبر “الجبهة الداخلية” وهي عنصر هام، اما الاخبار الكاذبة فتساهم بتفكك هذه الجبهة، وإرباك الوضع الاجتماعي والسياسي والعسكري.
ويعتبر رمال أن التكنولوجيا تشكل أكبر التحديات المستجدة، فيما يتعلق بصناعة الأخبار الكاذبة، مطلقاً عليهاً تسمية “صناعة الحقائق المزيفة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع التطور التكنولوجي لا سيما الذكاء الاصطناعي.
ويضيف: “اليوم بات بسهولة عبر ما يسمى مصادر وجيوش الكترونية لديها اجندات سياسية او امنية او سياسية، واقتصادية في بعض الأحيان، عبر استخدام هذه التكنولوجيا، والأخطر أنه عندما يجري نشر هكذا اخبار، تُصدر الى رأي عام لا يمتلك وسائل التحقق، وبالرغم من أنه لاحقاً يتم تكذيب الخبر، إلا أن النفي لا يمكن أن يمحي أكثر من 30 إلى 40 بالمئة من حجم انتشار الخبر الزائف”.
إثارة العواطف
ويلفت رمال الى ان “هناك رغبة شديدة في الحروب بإثارة الحالة العاطفية، وهذا ما يلجأ إليه أصحاب الأجندات والمحترفين بصناعة الأخبار الكاذبة، فهدفهم الأساسي خلق تفاعل عاطفي سريع، مثل خلق حالة غضب، أو تعاطف، سواء سلبا أو ايجاباً، وهذا ما يؤثر على سلوكيات المجتمع، كأعمال عنف، أو قرارات معينة”.
أما الهدف من ذلك فهو تضليل الرأي العام وتقويض الثقة بالنفس، بحسب رمال الذي يوضح إلى ان “الأخبار الكاذبة موازية للدعاية السوداء في الحروب والأزمات، تهدف لتقويض الثقة بالنفس والمجتمع والمؤسسات، وتخلق هزيمة داخلية قبل الهزيمة الفعلية”.
وبما ان الاخبار الزائفة تعتمد على القضايا المثيرة للجدل، فهي تخلق انقسامات هائلة بين المجتمع، خصوصاً بين المجموعات الاجتماعية، والدينية، وفق رمال الذي يلفت الى أنه “عادة في الشرق الاوسط معظم الاخبار الكاذبة تركز على القصص الدينية والمذهبية، لكونها تؤثر بشكل مباشر وتخلق فورة عاطفية مباشرة ورد فعل سلوكي”.
حلول ممكنة
وفي الختام، لا بد من التأكيد على ان الاخبار الزائفة لا سيما في الحروب والازمات ليست خطأ مهنياً وحسب، إنما تصبح أداة فعالة في التأثير على المجتمعات، خصوصاً أنه وبنتيجة للمراقبة اليومية لتلك الأخبار، يتبين أن بعض الحسابات والنشطاء يتقصدون نشر أخبار مزيفة حيناً ويتغاضون عن تصحيح ما هو رائج بشكل مزيف، حيناً آخر.
وهذا يؤكد ان هناك من يستغل الأزمات السياسية والامنية لنشر الذعر والقلق والتحريض. وصحيح أن الإضاءة على الاخبار الكاذبة والتنبيه منها، بات واجبا مهنيا وأخلاقيا، إلا أن ذلك لا يلغي تأثير تلك الأخبار على المجتمع حتى بعد كشفها، وفي كثير من الأحيان يبقى تأثيرها في وجدان المتلقي، خصوصاً أن البعض قد يتجاهل أهمية التحقق من صحة الأخبار، ويفضلون تصديق شائعات تعكس مخاوفهم، مما يؤدي إلى تعزيز انتشارها. أما على صعيد المواجهة، فعلى وسائل الإعلام تخصيص مساحات أوسع خلال الأزمات والحروب للتحقق من الأخبار والإضاءة على الكاذب منها وتصحيحه، فالإعلام والوعي المجتمعي هما بمثابة خط الدفاع الأول ضد مروجي الأخبار الزائفة.
وهو ما يؤكده رمال، حيث يشير إلى أنه يجب البحث عن كيفية مواجهة الأخبار الكاذبة، وإرساء حالة من الوعي والحس النقدي، كما يجب البحث باقتراح إجراءات وسياسات تحد من هذه الأخبار. كما ثمة دور أساسي يجب أن تلعبه وسائل الإعلام التقليدية في مكافحة تلك الأخبار وتعزيز الشفافية سواء في الإعلام التقليدي أو المنصات الإلكترونية المرخصة، ولا بد في نهاية المطاف من وضع قوانين تردع تفشي الأخبار الكاذبة، مع مراعاة حرية التعبير، مع الإشارة إلى أن الأخبار المزيفة أساساً لا علاقة لها بحرية التعبير.
تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”، موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير . وتقع المسؤولية عن محتواه حصرًا على عاتق ”مؤسسة مهارات“ وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.