لا استقلال حقيقيًا من دون جيش يفرض سيطرته على كل لبنان

لا استقلال حقيقيًا إن لم يكن للجيش الأمرة الوحيدة على مساحة كل الوطن. ولا جيش قويًا ومتعافيًا إن لم يكن محصّنًا بوحدة أبنائه. فالجيش والاستقلال صنوان. ولا يمكن الاحتفال بذكرى الاستقلال من دون الحديث عن الجيش ودوره الحالي والمستقبلي. فالاستقلال لا يكون حقيقيًا إن لم يُعطَ الجيش الصلاحيات الكاملة لتنفيذ ما يمكن التوصّل إليه من تسويات عبر المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية. وحده الجيش قادر على بعث الأمل من جديد في قلوب اللبنانيين الذين يعانون أقسى أنواع العذابات اليومية، قصفًا وقتلًا وتدميرًا وتهجيرًا.

Advertisement












وعلى رغم كل هذه المآسي، وفي غياب مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى، وفي غياب رأس الدولة، يصرّ اللبنانيون على أن يعيشوا لحظات من ماضيهم هي الأجمل، وهي العالقة في ذاكرتهم الجماعية، وهي الباقية الوحيدة علامة أمل ورجاء.

وعلى رغم أن الحزن هو المسيطر، وعلى رغم أن لا احتفالات، ولا مهرجانات، ولا زغاريد، ولا رشّ أرز وورد، ولا أناشيد تُنشد، ولا أغاني وطنية تصدح في هذه الذكرى، التي تشوه معالمها اعتداءات إسرائيلية تزرع الموت والدمار في كل مكان، فإن إرادة الحياة لدى جميع اللبنانيين تبقى الأقوى.

فالوضع في الجنوب خطير ومقلق. وما هو متوقّع ومنتظر مقلق أكثر، خصوصًا إذا أصرّت إسرائيل على عنادها، ورفضت ما ورد في الورقة الأميركية، التي وافق عليها لبنان مع بعض التعديلات، التي تضمن السيادة اللبنانية. في هذه الذكرى لا تزال الجمهورية فارغة. لا رئيس على رأسها. قيادة الجيش آيلة إلى الفراغ إذا استمرّ من يعتبر نفسه أهم من الجمهورية كلها في اتباع نهج التعطيل وممارسة سياسة النكد. الوضع الاقتصادي من سيئ إلى أسوأ. الحالة الاجتماعية ليست بأفضل ما يكون. الضغط السكاني بفعل النزوح الكثيف في مختلف المناطق آخذ في التفاعل. 

نحاول أن نفتش عن بصيص أمل ونور فلا نوفق في ما نحن إليه ساعون. فكيفما توجهت، وأينما حللت لا تسمع سوى “النق”. شكاوى الناس كثيرة، وهي تكثر مع قدوم فصل الشتاء، الذي يحلّ هذه السنة ثقيلًا، بالأخصّ بالنسبة إلى الذين اضطرّوا الى ترك منازلهم في قرى المواجهة الجنوبية وفي البقاع، وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وهم كثر، بعدما حوّل العدو الإسرائيلي العيش فيها مستحيلًا. ومع تزايد هموم المواطن اليومية تبدو المعالجات “على قدّ الحال”. 

ولكن وعلى رغم هذه السوداوية التي تظلل حياتهم كيفما اتجهوا لا يزال اللبنانيون بمختلف فئاتهم العمرية، وبالأخصّ الشبابية منهم، مصرّين على أن يرسموا ملامح وطن لا يشبه الوطن الحالي بشيء؛ وطن لا يكون فيه محسوبيات؛ وطن الكفاءات العلمية والأخلاقية؛ وطن تسقط فيه كل الأمثال الشعبية الموروثة من حقبات الاحتلال والاستعمار؛ وطن يشبه طموحات الشباب العاشق للحياة والحرية والعيش بسلام، وطن غير مهدّد بأمنه واستقراره في كل مرّة “يدق الكوز بالجرّة”، وطن يكون لأبنائه المتساوين في الحقوق والواجبات، وطن العيش الواحد المبني على أسس صلبة وواضحة، وطن لا يكون فيه سلاح غير السلاح الذي يحمي من غدرات الزمان، وهو السلاح الشرعي الوحيد الذي سيوحد اللبنانيين تحت راية واحدة.   
 
تأتي هذه الذكرى مخضبة بدم الشهداء من أبناء المؤسسة العسكرية، التي تقف على أهبة الاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات في معمودية الدم لكي يبقى للاستقلال رمزيته ورونقه ومعانيه. فالجيش  يتابع تنفيذ مهمّاته على كامل الأراضي اللبنانية، متصدّيًا لكلّ محاولات زعزعة الأمن والاستقرار “لأن الوحدة الوطنية والسلم الأهلي على رأس أولوياته، وهما الخط الأحمر الذي لن يُسمح لأيٍّ كان بتجاوزه، علمًا أنّ حماية الوطن والحفاظ عليه مسؤولية جامعة ومشتركة لكل اللّبنانيين”، على ما جاء في أمر اليوم للعماد جوزاف عون، ألذي أكد “أنّ الافتراءات وحملات التحريض التي يتعرّض لها الجيش لن تزيده إلّا صلابة وعزيمة وتماسكًا، لأنّ هذه المؤسسة التي تحظى بإجماع محلي ودولي، ستبقى على مبادئها والتزاماتها وواجباتها تجاه لبنان وشعبه بعيدًا عن أي حسابات ضيّقة.” وطمأن “أهلنا وشعبنا إلى أنّه لا عودة إلى الوراء ولا خوف على الجيش الذي سيبقى إلى جانبهم متماسكًا رغم كلّ الظروف، حاميًا للبنان ومدافعًا عن أمنه واستقراره وسيادته، كما سيبقى حاضنًا وجامعًا لكلّ اللبنانيين بمختلف مكوّناتهم وعلى مسافة واحدة منهم. سيظل الملاذ الآمن الذي يثق به الجميع، على أمل أن يستقيم الوضع وتستعيد المؤسسات عافيتها وانتظامها، ويستعيد اللبنانيون المقيمون والمغتربون ثقتهم بوطنهم، فيصبح قادرًا على احتضان طموح شبابه وآمالهم.”

لبنان

خاص

مقالات لبنان24










تابع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى