لحظات وداع خولة: رشا بلال تروي لـ”ياسمينة” التحديات النفسية لتجسيد مشهد الموت في “العميل”
اقرئي مقابلة “ياسمينة” الحصرية مع الممثلة رشا بلال حول تجربتها في مسلسل “العميل”، وتعرّفي على التحديات التي واجهتها في تجسيد شخصية “خولة” المعقدة.
في عالم الدراما، هناك شخصيات تبقى محفورة في الذاكرة، وأدوار تتحدى الحدود، من بينها “خولة”، الشخصية التي جسّدتها الممثلة السورية رشا بلال في المسلسل المعرّب “العميل”، فبأدائها العميق والمميز، لم تقدّم مجرّد شخصية درامية، بل كشفت عن طبقات من النفس البشرية في رحلة مفعمة بالصراعات الداخلية، والإثارة، والإنسانية.
في حوار مُلهم مع “ياسمينة”، تكشف رشا كيف يمكن لمثل هذه الأدوار أن تُغيّر من رؤية الفنان للحياة. وتوضح كيف ساعدها التمثيل أمام القدير أيمن زيدان في الارتقاء بأدائها، وكيف أثّر نجاحها في المسلسل على طموحاتها المستقبلية في مجالي المسرح والسينما. كما سنتعرف أكثر على رؤيتها لدور الفن في تمكين المرأة في المجتمع العربي، ومدى تأثير هذا الدور على حياتها الشخصية والمهنية. وإليكِ 6 أسباب تدفعكِ لمتابعة مسلسل العميل دون سواه.
تحمل رشا في طيات حديثها معنا أسراراً عن هذه الرحلة الدرامية، والعملية الفنية التي استغرقت منها الكثير من الجهد العقلي والعاطفي. من التقلبات النفسية التي مرت بها على مدار أحداث المسلسل، إلى اللحظات الصعبة التي جعلت رشا تلامس حدود التماهي مع “خولة”، وصولاً إلى مشهد الوداع المؤلم، الذي شكّل نقطة التحول الحاسمة في مسلسل “العميل”.
أول ما لفت انتباهي في المسلسل كان نوعه، كونه من الأعمال المعربة التي تحقق نجاحاً كبيراً وتنتشر بسرعة، وتثير حالة جماهيرية غير مسبوقة. ولم يكن “العميل” أول عمل معرّب يعرض عليّ، ولكن ما جذبني حقاً فيه كان مزجه بين الإثارة والأكشن، وهو نوع لم يسبق لي تجربته. إلى جانب ذلك، كان الدور نفسه وما يحمله من خصوصية هو عامل جذب إضافي.
لن تصدقي كم أخذت مني خولة من جهد ووقت، فقد كانت عملية تتطلب تفكيراً ودراسة مستفيضة. وهذا النوع من الشخصيات، يمثل تحدياً مغرياً لأي ممثل. “خولة” شخصية غنية بتفاصيلها وعلاقتها المتشابكة مع بقية الشخصيات. كانت تستحوذ على اهتمامي لأنها تجمع بين البراءة والذكاء، وبين القوة الداخلية والضعف الظاهر. وعندما قرأت النص لأول مرة، أدركت أنها امرأة ذات أبعاد متعددة، تتنقل بين التناقضات بحرفية، تواجه صراعات نفسية وعاطفية، وتعيش في دوامة من الخيارات الصعبة. هذا التحدي كان ما جذبني إلى الدور، فتمثيل شخصية غنية بالأبعاد مثل “خولة” يتطلب جهداً عقلياً وعاطفياً كبيراً.
بالنسبة للصراع الداخلي، كان موجوداً طوال فترة التصوير، وكنت أبحث دائماً عن التوازن بين عواطف الشخصية التي قد تتغير في كل مشهد، فـ “خولة” الأخت، تختلف بعواطفها عن خولة المحامية، والابنة والحبيبة. هذا التذبذب بين القوة والضعف كان يجعلني أستمر في إعادة التفكير حول مواقفي منها. لكن الصراع الأكبر كان في إعادة تفكيك الشخصية وصياغتها وخلقها من جديد والتعبير عنها من خلال تصرفات شخصية تبقى حقيقية وواقعية.
موت “خولة” كان بمثابة نهاية لرحلة طويلة مليئة بالعواطف والتطورات الدرامية. لم يكن المشهد مجرد وداع لشخصية، بل كان وداعاً لعام كامل من التحضير النفسي والجسدي. كما كان يمثل لحظة مفصلية في العمل، وكنت أريد أن أترك أثراً قوياً لدى المشاهدين، حتى في لحظات الوداع. ومما لا شك فيه أن “خولة” في بداية العمل، لم تكن نفسها في نهايته.
أما بالنسبة للفصل بين “خولة” و”رشا”، فهو لم يكن سهلاً. في البداية، شعرت بتداخل بينها وبيني، حيث كانت خلال ذلك العام حاضرة في حياتي أكثر مما حضرت رشا، وهو ما سبّب لي مأزقاً نفسياً، وكانت هناك لحظات أجد نفسي متأثرة جداً بما تمر به “خولة” من مواقف، لدرجة أنني أحاول التعامل مع بعض المواقف في حياتي الخاصة كما كانت ستتصرف “خولة”. لكن مع مرور الوقت، تعلمت كيف أعود إلى “رشا” وأضع الحدود بين الشخصيتين، وأنا اليوم أعتبر نفسي محظوظة لعيش هذه اللحظة واختبار هذا الشعور، والالتصاق بالشخصية إلى هذا الحد، وهذا باعتقادي ما جعل الشخصية من لحم ودم ودفع الجمهور لتصديقها.
استخلصت العديد من الدروس القيمة من هذه التجربة، أثرت في تطوري على أكثر من مستوى، وفتحت أمامي آفاقاً جديدة. وكانت العلاقة بيننا كممثلين أساسية في ذلك التحول، حيث أسهمت بشكل كبير في نموّي المهني والإنساني. وقد كان لسير العملية بعد انتهائها، تأثير بالغ عليّ، وأعتبره بمثابة نوع من الشفاء الداخلي Healing. وأستطيع أن أؤكد لكِ أن رشا بلال التي دخلت إسطنبول لم تكن هي نفسها التي غادرتها بعد انتهاء المسلسل، وهذا يشير إلى أنني سرت على الطريق الصحيح وأتممت مهمتي بنجاح.
كوننا بدأنا تصوير العمل قبل إتمام كتابة السيناريو، كنت مضطرة لمتابعة تطور شخصية “ملك” بشكل تدريجي، لكنني حرصت على ألا أتأثر بأداء الممثلة التي جسّدتها. فركزت على سير الأحداث بدلاً من الأداء نفسه. وبالنسبة لاختلاف شخصية “خولة” عن “ملك”، فقد كان واضحاً في العمر والنضج؛ “ملك” كانت في العشرينيات بينما ‘خولة’ في الثلاثينيات من عمرها، مما جعل ردود أفعال الشخصية وتصرفاتها تختلف بشكل طبيعي. “خولة” كانت أكثر نضجاً وحكمة، محامية صاحبة تجارب حياتية، بينما “ملك” كانت أصغر سناً وأقل نضجاً.
في تجسيدي للشخصية، أعيش الدور بكل تفاصيله وأتقمصه بالكامل، حتى يصبح الأداء طبيعياً وصادقاً، مما جعل “خولة” تظهر كما لو كانت شخصاً حقيقياً.
العمل مع نجوم كبار يعد حافزاً قوياً لتقديم أفضل ما لديكِ، خاصة مع ممثل بحجم أيمن زيدان، الذي يمتلك تاريخاً درامياً غنياً يشكل ذاكرة فنية للسوريين والعرب. خلال التصوير، وضعت هذا في الاعتبار، مما أضاف قيمة كبيرة للتجربة ودفعني للإبداع. مع الوقت، عايشت الدور، وظهرت خصوصية ساحرة في مشاهدي معه، حيث امتزجت شخصية ملحم بشخصية أيمن زيدان بشكل فريد، وبتُّ أراه ملحم ويراني خولة. وقد كان لي أيضاً شرف العمل مع أسماء بارزة أغنت تجربتي الفنية أمثال غسان مسعود وسلوم حداد. وكان الممثل طلال الجردي “العميد خليل” كشف لـ”ياسمينة” كواليس مسلسل “العميل” وعلاقته مع أيمن زيدان.
ثنائيتي مع سامر كان لها سحرها ووقعها الخاص، وقد لمس جمهور “العميل” الانسجام الكبير بيني وبينه. بين “خولة” و”أمير” كان هناك دائماً تداخل بين الحب والصراع، حيث أن الشخصيتين عاشتا في دوامة من المشاعر المتناقضة. كنت أحياناً أتعامل مع “أمير” كعدو، وأحياناً أخرى كحبيب، وهذا جعل كل مشهد بيننا له طابع خاص. كنا محظوظين بالفعل بنجاحنا في إيصال هذا النوع من العلاقات إلى المشاهدين، لأننا عشناها بصدق. فعندما يصدق الممثل ما يقدمه، يصل هذا الصدق تلقائياً إلى الجمهور.
لقد انتهيت من تصوير مسلسل “العميل” منذ عام، وأؤمن أنه من المهم منح نفسي فترة انتقالية بين كل شخصية وأخرى، فأنا بحاجة للوقت للابتعاد عن عالم الشخصية السابقة، لكي أتمكن من بناء شخصية جديدة من نقطة الصفر. كما أن شخصية خولة كانت معقدة وهو ما يجعل فترة الراحة ضرورية بعدها.
كل دور أقدمه هو تحدٍ نفسي وجسدي يتطلب تحضيراً دقيقاً ليكون مقنعاً وواقعياً للجمهور. وما أسعدني في “العميل” هو تفاعل الناس مع شخصية “خولة”، حتى أنهم يتعاملون معي كما لو كنت هي وينادونني باسمها في الشارع. ورغم أن هذا الدور كان الأكثر شهرة في مسيرتي، فإنني ممتنة لجميع الأدوار التي قدمتها والتي حملت خصوصية وواقعية مميزة.
أطلّ في رمضان 2025 بشخصية جديدة ومميزة ضمن مسلسل “سكرة الموت” للكاتبة بثينة عوض والمخرج مروان بركات. بعد غياب خمس سنوات عن التصوير في سوريا، أعود بحماسة كبيرة لأجسد شخصية امرأة بسيطة تعمل في غسل الموتى. رغم قسوة واقعها وعملها الشاق نفسياً، تحمل الشخصية تناقضاً ساحراً بين ارتباطها بالموت وحبها للحياة، وقد تكون فرحة العمل بتناقضاتها، وهو ما يجعلها حالمة وصبورة في آن واحد.
الشخصية مليئة بالصراعات الداخلية والعمق الإنساني، ورغم واقعها المظلم، تنجح في رسم ابتسامة مليئة بالأمل. هذا التحدي الفريد دفعني إلى التحضير لها بحب وصدق كبيرين، وأراهن على قدرتها على الوصول إلى قلوب الجمهور.
يؤلمني أن أقول إن آخر تجاربي المسرحية كانت عام ٢٠١٤، والآن مرّت عشرة سنوات دون أن أعود إلى خشبة المسرح. الحقيقة أن هذا الأمر مؤلم جداً، لأنني بدأت مسيرتي الفنية من المسرح. عملت لمدة 8 سنوات على خشبته، وشعرت أنه بيتي الحقيقي. المسرح له خصوصيته، وهو الأكثر صدقاً من بين كل الفنون، لأنه لا يمكن أن تُعيدي الأداء أو تتهربي من نظرات الجمهور؛ أنتِ مكشوفة أمامهم بشكل كامل.
ما يضاعف ألمي في هذا المجال هو أن مسرحنا في سوريا يعاني من الكثير من المشاكل. المسارح قليلة، والمشاريع المسرحية أصعب في الظروف الحالية. في بعض الأحيان، يشعر الناس أن الممثلين التلفزيونيين لا يناسبون المسرح، وهذا نوع من الظلم. في رأيي، الممثل الحقيقي قادر على الأداء في كل مكان: في السينما، التلفزيون، والمسرح. لكن رغم كل هذه التحديات، لا يزال حلمي هو العودة إلى المسرح، وأتمنى أن تتحقق هذه العودة قريباً.
أما بالنسبة للسينما، فإن الواقع ليس أفضل بكثير. السينما السورية تعاني من ميزانيات محدودة، ودور العرض قليلة، والمخرجون أيضًا قلّة. خضت بعض التجارب السينمائية الخجولة، مثل مشاركتي في فيلم “تحت سرّة القمر” مع المخرج غسان شميط، وفيلم “مطر حمص” مع جود سعيد. إضافة إلى تجارب في أفلام قصيرة، كان آخرها فيلم “الساعة السابعة والربع مساءًا” مع رامي نضال.
ولعلّ تجربتي السينمائية الأخيرة كانت الأبرز، حيث شاركت في فيلم عالمي بعنوان “Global Harmony”، اتم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية وإخراجه من قبل مخرج إيطالي. ويدور الفيلم حول صبية عربية لاجئة، وهذا الدور لم يكن مجرد تجربة فنية، بل رسالة إنسانية جميلة. ورغم أن الفيلم لم يُعرض للجمهور بعد، فإنه حصد جوائز في المهرجانات الدولية، وهذا يسعدني جداً. يتناول الفيلم فكرة “اللاجئ” بشكل فلسفي، حيث نطرح حلماً بوجود مكان يجتمع فيه جميع المستضعفين والمهجرين حول العالم، في جزيرة لامبادوسا الإيطالية، وهي موجودة بالفعل في وسط البحر الأبيض المتوسط.
كل شخص بحاجة إلى طريقة خاصة للحفاظ على صحته النفسية، والممثلون على وجه الخصوص يواجهون ضغوطاً مضاعفة بسبب طبيعة عملهم والتحديات التي يمرون بها. بالنسبة لي، وجودي بالقرب من عائلتي، خاصة أمي وأبي، هو العلاج الأكبر. عندما أكون إلى جانبهما، أشعر أنني أعود إلى نفسي وأجد التوازن العاطفي الذي أحتاجه.
الرياضة تلعب دوراً كبيراً أيضاً في حياتي، فأنا من محبات اليوغا، التي غيّرت لي حياتي بشكل إيجابي، سواء على الصعيد الجسدي أو العقلي. اليوغا تعلمني كيف أوازن بين العمل والحياة الشخصية وكيف أتعامل مع الضغوط.
كما أن الموسيقى هي وسيلتي للعيش بحالة من الصفاء الداخلي، فكلما سنحت لي الظروف، أمسك عودي وأعزف عليه أغنيات أحبها، ربما ستبصر النور في يوم ما، فأنا لا أرضى تقديم عمل مهما كان إن لم يكن متقناً، كما أنني لا أملك الجرأة الكافية اليوم لأصدر أغنية بصوتي، بل أعمل برويَّة و”كل شي بوقته حلو”.