هل يعرقل نتنياهو صيغة هوكشتاين؟
كتب منير الربيع في “المدن”:
انتهت الانتخابات الأميركية. عاد التضارب في المواقف حول مسار الحرب لما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن. يتجدد الكلام حول المساعي الجدية لوقف إطلاق النار، وسط معلومات بتحرك جديد يفترض أن يقوم به المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الأسبوع المقبل باتجاه تل أبيب وبيروت. تتضارب وجهات النظر بين من يشير إلى إمكانية الوصول إلى اتفاق، وبين من يستبعد ذلك بالاستناد إلى تجارب سابقة لم يتجاوب معها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويسود اعتقاد أن نتنياهو لن يقدّم أي تنازل جدّي لبايدن الذي سيغادر بعد أكثر من شهرين، بل يريد الاستفادة من الوضع القائم ومن الفترة المتبقية لتوسيع تصعيده العسكري وتوجيه ضربات قاسية يتمكن من خلالها تحقيق الأهداف التي يريدها فيهدي “انتصاره” لترامب مع وقف لإطلاق النار.
في المقابل، تفيد معطيات أخرى من الولايات المتحدة الأميركية بأن ضغوطاً كبيرة ستمارسها إدارة بايدن على إسرائيل لوقف الحرب، وهناك تلويح بوقف الدعم العسكري وعدم تدفق الأسلحة، لإجبار نتنياهو على وقف النار. بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الحالية فالضغوط تتكثف للوصول إلى وقف إطلاق النار خلال فترة أسبوعين أو شهر، كحدّ أقصى، ليسجّل هذا المكسب الديبلوماسي في صالحها. على هذا الأساس يفترض بهوكشتاين أن يتحرك بالتنسيق مع فريق ترامب أيضاً بحكم القوانين الأميركية، بينما بعض المعلومات تفيد بأن فريق ترامب يريد مواصلة هوكشتاين لمساعيه ولو استمرت لفترة ما بعد دخول الرئيس المنتخب إلى البيت الأبيض.
تأتي هذه الحركة الجديدة على وقع مفاوضات كثيرة إقليمية ودولية حول خفض التصعيد، وخصوصاً من خلال تجديد قنوات التواصل بين إيران والإدارة الأميركية الحالية، بالإضافة إلى فتح قنوات تواصل جدية بين طهران وفريق عمل الرئيس المنتخب دونالد ترامب. يتزامن ذلك مع مواقف إيرانية تدعو إلى تأجيل الردّ على إسرائيل، وهو ما جرى بحثه خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الإيراني، وسط تشديد من قبل رئيس الجمهورية الإيرانية وحكومته على ضرورة تأجيل الردّ لعدم تحقيق أهداف نتنياهو الذي يريد استدراج إيران وأميركا إلى حرب مباشرة. كلام المسؤولين الإيرانيين توّجه مستشار المرشد علي لاريجاني الذي تحدث عن العقلانية وعدم انجرار إيران إلى الفخ الإسرائيلي.
في السياق نفت طهران الاتهامات التي وجهت لها بوقوفها خلف محاولة اغتيال ترامب، وتوجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى ترامب بالقول: “الطريق إلى الأمام هو خيار مطروح، وإيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي”. كذلك دعت إيران، ترامب إلى تغيير سياسة الضغوط القصوى التي اتبعها خلال ولايته الأولى تجاه الجمهورية الإسلامية. وقال نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف يجب على ترامب أن يظهر أنه لا يتّبع سياسات الماضي الخاطئة.
إنه مسعى جديد وجدّي وفق ما تقول مصادر متابعة، ولكن لا يمكن الحسم أو الجزم بتحقيق النتيجة المرجوة. وتفيد المعلومات بأن هوكشتاين يعمل وفق الاتفاق الذي أبرمه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع إعادة صياغته بوضوح. وتقول المصادر: “ما يعمل عليه هوكشتاين يراعي الهواجس اللبنانية والخطوط الحمر، ويتناسب مع الليونة التي يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يبديها”. وتضيف المصادر المتابعة أن المبعوث الأميركي يتحدث بوضوح عن إمكانية الوصول إلى وقف إطلاق النار خلال فترة تمتد ما بين أسبوع إلى عشرة أيام أو أسبوعين، على أن يكون وقفاً دائماً لإطلاق النار. إذ على الرغم مما حكي سابقاً عن وقف لإطلاق النار لمدة ستين يوماً فإن النقاش حالياً يتركز حول وقف النار نهائياً مع وضع برنامج واضح للخطوات التي يجب اتخاذها، حول تطبيق القرار 1701 مع ضمانات أميركية في حسن تطبيقه، ومن أبرز النقاط التي يركز عليها الاتفاق:
*وقف إطلاق العمليات العسكرية بين الجانبين.
*دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب.
*انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي دخل إليها.
*انسحاب حزب الله بأسلحته من جنوب نهر الليطاني.
*تعزيز عمل قوات اليونيفيل.
*تكون الولايات المتحدة الأميركية الجهة الضامنة لوقف النار ولآلية تطبيق القرار 1701 من خلال مراقبة تطبيق مندرجات القرار وعدم خرقه من قبل الجانبين.
*وضع برنامج واضح لعودة السكان مع إطلاق مؤتمر لتوفير الدعم والمساعدات حول إعادة الاعمار.
*تفعيل مسار البحث في إنجاز ترسيم الحدود البرية أو تثبيتها ومعالجة النقاط الست المتبقية من أصل 13 نقطة.
*التفاوض حول حلّ معضلة الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
* تعزيز البحث السياسي لانتخاب رئيس للجمهورية مع دخول وقف النار حيز التنفيذ، أي توجيه دعوة سريعة لمجلس النواب ليلتئم، وينجز الانتخابات الرئاسية، وتبدأ عملية إعادة تشكيل السلطة التي من المفترض أن تتولى هي التفاوض حول معالجة كل الوضع في الجنوب وترسيم الحدود، ووضع خطة إعادة الإعمار والحصول على المساعدات.
حتى الآن لا يبدو نتنياهو مقتنعاً بوقف إطلاق النار، لا بل هو يضع أهدافاً كبيرة جداً بما فيها تغيير الوضع في المنطقة وإضعاف إيران ونفوذها، وهجومه على لبنان يندرج في هذا السياق. ذلك يخلق جدلاً إسرائيلياً حول الأهداف وتوتراً إسرائيلياً مع دول غربية ولا سيما مع فرنسا التي تعتبر وفق مصادر متابعة أن نتنياهو يذهب في الحرب إلى أقصى مدياتها ويريد كسر حزب الله لا إعادة سكان الشمال، كما يريد ضرب إيران.
في الداخل الإسرائيلي السجالات قائمة حول الخطوات العسكرية المقبلة بين دعوات من قبل الجيش حول استغلال الوضع الحالي لفرض اتفاق، لا سيما أن هناك وجهة نظر عسكرية تفيد بضرورة الاستفادة من الواقع العسكري اليوم الذي يظهر إسرائيل وكأنها منتصرة على حزب الله، بينما في حال طالت المعركة وتكبدت إسرائيل خسائر كبيرة في عمليتها البرية ونفذ الحزب عمليات أصابت أهدافاً استراتيجية في العمق الإسرائيلي فإن ذلك سيحرمها صورة النصر.
لا يزال نتنياهو يضع شروطاً يستحيل على لبنان القبول بها، وخصوصاً الاتفاق الأميركي الإسرائيلي الجانبي الذي تم تسريبه. فلبنان يؤكد أنه غير معني به ولا يوافق عليه ولم يطّلع في الأساس على مضمونه بل هناك اتفاق مختلف جرى التفاهم عليه مع هوكشتاين. في المقابل فإن نتنياهو يحاول فرض شروط حول آلية عمل قوات اليونيفيل، مع تسريب مواقف أن إسرائيل غير راضية عن أداء هذه القوات، وهو ما أرادت إيصال رسائل بالنار بشأنه، من خلال استهداف مواقع لليونفيل في الجنوب، ودعوتها لمغادرة مواقعها وصولاً إلى الاستهدافات التي طالتها إلى جانب الاستهدافات المباشرة للجيش اللبناني؛ ما يعني إصرار نتنياهو على ضرب مكونات القرار 1701 والجهات الضامنة له والتي يفترض أنها ستطبقه. في الموازاة يعمل على نقل رسائل اعتراضية على دور عدد من قوات دول عديدة مشاركة في قوات الطوارئ، كالقوة الماليزية، والاندونيسية اللتين لا علاقات ديبلوماسية لهما مع إسرائيل، والإيرلندية التي لديها مواقف عنيفة جداً ضد العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان. ومن هنا تأتي مطالبات نتنياهو بتشكيل قوة متعددة الجنسيات وهو أمر مرفوض لبنانياً، فيما الصيغة التي يتم البحث بها تتعلق بتفعيل عمل لجنة مراقبة الهدنة أو لجنة تفاهم نيسان والتي تضم لبنان وإسرائيل وفرنسا وأميركا من دون سوريا هذه المرة.
لا تزال نتائج هذه المساعي غير مضمونة طالما أن نتنياهو وضع سقفاً مرتفعاً لحربه، وبما أنه لايزال يراهن على الشهرين المتبقيين لتوجيه ضربات أقوى لإيران مستنداً على دعم ترامب، وعلى ما يعتبره فرصة تاريخية وقد لا تتكرر لتوجيه ضربة قوية ضد إيران وتعطيل مشروعها النووي، لا سيما أن ترامب كان قد أبلغه لاحقاً بالإقدام على ضرب النووي الإيراني والإسراع في تحقيق أهدافه العسكرية قبل وصوله إلى البيت الأبيض لأنه سيعمل وفق مسار لإنهاء الحرب ولكن بشروط توفر الانتصار السياسي لإسرائيل.