تجتاح حُمّى الفوز التاريخي للاعب الصيني جاو شينتونغ ببطولة العالم للسنوكر بلاده؛ ما قد يحفز على رفع هذه الرياضة إلى مستويات أعلى قد تصل إلى حد الهيمنة على عالم السنوكر.
تغلب اللاعب الأعسر، الذي يبلغ من العمر 28 عاما، الاثنين، على الأسطورة الويلزي مارك وليامس في المباراة النهائية (18-12) على مسرح كروسبيل في مدينة شيفيلد البريطانية، ليدّون اسمه كأوّل لاعب آسيوي يفوز بأكبر جائزة في لعبة السنوكر.
قبل هذا التتويج العالمي، أصبح ثاني لاعب صيني فقط يصل إلى نهائي بطولة العالم بعد دينغ جونوي في عام 2016.
احتفل جاو بانتصاره ملفوفا بعلم بلاده؛ في حين انتشرت صوره على نطاق واسع على وسائل التواصل، التي أشادت به باعتباره بطلا وطنيا.
بدا، بعد هذا التتويج التاريخي، أن إيقاف اللاعب جاو شينتونغ لمدة 20 شهرا في عام 2023 بسبب تورطه في فضيحة التلاعب بنتائج المباريات قد بات في أدراج النسيان.
قال جانغ دونغتاو، المدرب الرئيس في الأكاديمية العالمية للسنوكر في بكين والذي درّب بعضا من أكبر الأسماء في البلاد في هذه الرياضة، منهم جاو، لوكالة فرانس برس: “لا يتوقف هاتفي عن الرنين باتصالات من وسائل الإعلام” والأقرباء.
لسنوات طويلة، ارتبطت لعبة البلياردو غالبا في أذهان الصينيين بأنها هواية يمارسها المتسكعون في قاعات مظلمة وقذرة تنبعث منها رائحة السجائر، ويكرهها الآباء باعتبارها مضيعة للوقت وتلهي عن الدراسة.
اكتسبت اللعبة شعبية تدريجية في البلاد، بعد فوز دينغ جونوي بلقب بطولة الصين المفتوحة عام 2005 على حساب الإسكتلندي ستيفن هندري. حينها، كان يبلغ سن الثامنة عشرة وقد أصبح على مرّ السنين أسطورة حيّة في رياضته.
اليوم، بات اللاعب الأكثر تتويجا بالألقاب في الصين، حيث ألهم جيلا كاملا من المحترفين؛ منهم بطل العالم الجديد جاو شينتونغ والذي يصغره بـ10 سنوات.
وتمتلك الصين 300 ألف نادي سنوكر، مقابل 34 ألفا في عام 2005، وفقا للأرقام التي تتداولها وسائل الإعلام الرسمية. إضافة إلى ذلك، يوجد 10 لاعبين صينيين ضمن المراكز الـ32 الأولى في التصنيف العالمي للسنوكر. وحدهم البريطانيون يتفوقون على الصين مع 18 لاعبا.
كما بلغت قيمة سوق البلياردو، التي تشمل السنوكر أيضا، 37 مليار يوان (5 مليارات دولار) في الصين في عام 2023، وفقا لتقرير صادر عن شركة شانغتشي للاستشارات التي تتوقع أن تتضاعف هذه القيمة في السنوات المقبلة.
“أمر لا يصدق”
أوضح المدرب جانغ من أكاديمية بكين: “نحن ملتزمون بشكل كامل بتدريب الشباب لمساعدتهم على التخلص من العادات السيئة في الحياة وفي تقنياتهم في لعبة السنوكر واستيعاب التأثيرات الإيجابية خلال سنوات نموهم”.
وبما أن المنافسة تشكل جانبا أساسيا وتعتبر مفتاح التدريب، تنظم الأكاديمية ست بطولات داخلية في كل فصل دراسي.
وعلى الرغم من أن رياضة السنوكر في الصين تفتقر إلى هيبة الألعاب الأولمبية على غرار كرة الطاولة وكرة الريشة، فإنه قد حدث “تحول جذري” في طريقة التفكير على مدى العقدين الماضيين، حسب جانغ.
قال: “السوق الصينية ضخمة. هناك العديد من المستثمرين، وهم (يدعمون) البطولات، وقيمة جوائز المسابقات مرتفعة جدا”.
وبسبب تنظيم البطولات الكبرى في بريطانيا، يغادر العديد من اللاعبين الصينيين بلادهم بمجرد أن يصبحوا محترفين.
يصل العديد منهم إلى شيفيلد في شمال إنجلترا، وأحيانا في سن 17 عاما، لمطاردة أحلامهم في لعبة السنوكر. وقد سار جاو على خطاهم واستقر في المدينة الإنجليزية حيث يتدرب في أكاديمية فيكتوريا الصينية للسنوكر التي تقع على بُعد مسافة قصيرة سيرا على الأقدام من مسرح كروسيبل الذي يستقبل منذ عام 1977 بطولة العالم للسنوكر.
قال لاكي فاتناني، مدير أكاديمية دينغ جونوي في شيفيلد أيضا، لوكالة فرانس برس، إن “العمل الجاد الذي يقوم به اللاعبون الصينيون أمر لا يصدق بكل بساطة”.
وأضاف: “يلعبون سبعة أيام في الأسبوع، من الساعة العاشرة صباحا حتى السادسة مساء. لا أرى العديد من اللاعبين الإنجليز يفعلون ذلك”.
وأشاد باللاعبين الصينيين قائلا: “هدفهم الوحيد هو لعب السنوكر”.
“أبطال عالميون”
في بكين، في نادي جانغتشينغ للسنوكر، أشار شيونغ جيان (43 عاما) إلى صورة معلقة على الحائط تعود إلى اللاعب الشاب جاو شينتونغ التي تم التقاطها بعد فوزه ببطولة للناشئين منذ أكثر من عقد.
عُلّقت صورته إلى جانب صور دينغ جونوي ولاعبين أجانب؛ مثل البريطاني روني أوسوليفان، بطل العالم سبع مرات والذي هزمه جاو في نهاية الأسبوع الماضي في الدور نصف النهائي للبطولة في شيفيلد.
وحذّر أوسوليفان من أن البريطانيين يفتقرون إلى الموهبة مقارنة مع الصينيين الذين تنتج حكومتهم، من خلال التمويل، “أبطالا بأعداد كبيرة”.
في حين أضاف جيان، المشجع واللاعب غير المتفرغ، أن تعداد الصين السكاني الهائل، البالغ 1.4 مليارات نسمة، يعني “أنه ستكون هناك دائما أسر على استعداد لدعم أطفالها في مسيرة السنوكر”.
وأضاف: “البيئة الحالية مختلفة تماما عن التسعينيات أو أوائل الألفية الثانية”.
ضمن الإطار ذاته، قال جو غوانغتشي لوكالة فرانس برس أثناء استراحته بين مباريات السنوكر في نادي جانغتشينغ، إن “فوز جاو شينتونغ سيكون له تأثير كبير على تطوير اللعبة في الصين”. ووفقا لتقديراته، يتوقع أن يسيطر اللاعبون الصينيون على عالم السنوكر خلال “ثلاث إلى خمس سنوات”.
ختم قائلا بفخر: “يتمتع اللاعبون الصينيون بقدرات تنافسية عالمية”.
