تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لخوض مغامرة علمية غير مسبوقة تهدف إلى حفر أعمق حفرة في تاريخ البشرية، وذلك لاستغلال الطاقة الحرارية الجوفية في توليد الكهرباء بشكل مستدام وخالي من الانبعاثات.
المشروع، الذي تقوده شركة "كواز إنرجي" المنبثقة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يعد ثورة في عالم الطاقة المتجددة، حيث يسعى للوصول إلى أعماق تصل إلى 20 كيلومترا تحت سطح الأرض، متجاوزا بذلك الرقم القياسي السابق لبئر كولا العميق في روسيا الذي بلغ 12.262 كيلومترا.
طاقة نظيفة غير محدودة
تعتمد فكرة المشروع على استغلال الحرارة الهائلة في باطن الأرض، حيث تصل درجات الحرارة عند هذه الأعماق إلى أكثر من 500 درجة مئوية، وهذه الحرارة قادرة على تحويل الماء إلى حالة "فوق حرجة" تشبه البخار، مما يتيح تشغيل توربينات لتوليد الكهرباء بكفاءة عالية.
ووفقا لشركة "كواز إنرجي"، يمكن لهذا المشروع توفير طاقة نظيفة ومستدامة "مدى الحياة"، دون الحاجة إلى الوقود الأحفوري أو إنتاج انبعاثات كربونية، مما يدعم أهداف الولايات المتحدة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
موجات الميكروويف لتبخير الصخور
على عكس طرق الحفر التقليدية التي تعاني من قيود مثل تآكل المعدات وصعوبة اختراق الصخور الصلبة، تعتمد "كواز إنرجي" على تقنية مبتكرة تستخدم موجات الميكروويف عالية الطاقة لتبخير الصخور.
وهذه التقنية، المستمدة من أبحاث الاندماج النووي في معهد ماساتشوستس، تتيح الحفر بسرعة وكفاءة في الصخور الأكثر صلابة وسخونة، مما يجعل الوصول إلى أعماق 20 كيلومترا أمرا ممكنا، كما تخطط الشركة لدمج هذه التقنية مع أدوات الحفر التقليدية لتسريع العملية وتقليل التكاليف.
63 مليون دولار لتفادي فشل المشروع الأمريكي
تاريخيا، واجهت مشاريع الحفر العميق تحديات هائلة، ففي سبعينيات القرن الماضي، حفر الاتحاد السوفيتي بئر كولا العميق في شبه جزيرة كولا، وهو المشروع الذي استمر لعقود وتوقف عند عمق 12.262 كيلومترا بسبب الحرارة المرتفعة التي بلغت 180 درجة مئوية، مما تسبب في تعطل المعدات.
كما أن مشروع "موهول" الأمريكي في الستينيات، الذي حاول الحفر تحت قاع البحر، توقف عند عمق 183 مترًا فقط بسبب نقص التمويل، وهذه التجارب تبرز الصعوبات الهائلة التي تواجه مشاريع الحفر العميق، من ارتفاع درجات الحرارة إلى الضغط الهائل وضرورة تطوير معدات قادرة على العمل في ظروف قاسية.
ومع ذلك، يبدو أن "كواز إنرجي" استفادت من هذه الدروس، فقد جمعت الشركة تمويلا بقيمة 63 مليون دولار في جولتها الأولى عام 2022، وتخطط لنشر أجهزة الحفر في المواقع المستهدفة خلال العامين المقبلين، مع توقعات ببدء إنتاج الطاقة بحلول عام 2026 إذا سارت الأمور وفق الخطة.
هل يحدث المشروع ثورة في الطاقة العالمية؟
في حال نجاح المشروع الأمريكي، قد يغير قواعد اللعبة في قطاع الطاقة، حيث أن الطاقة الحرارية الجوفية، التي تستغل حاليا في مناطق محدودة مثل آيسلندا والفلبين، يمكن أن تصبح مصدرا عالميا بفضل هذه التقنية.
وتشير التقديرات إلى أن الطاقة الحرارية الجوفية في أعماق الأرض يمكن أن توفر طاقة تفوق احتياجات العالم بأضعاف، مما يقلل الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة مثل الفحم والنفط.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يتوقع أن يخلق المشروع آلاف الوظائف في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والبناء، كما سيعزز مكانة الولايات المتحدة كرائدة في مجال الطاقة النظيفة، ومع تزايد الطلب العالمي على الطاقة، قد يصبح هذا المشروع نموذجا يحتذى به في دول أخرى تسعى لاستغلال مواردها الجوفية.
انجاز حفر أعمق حفرة في التاريخ لتوليد الكهرباء
مشروع حفر أعمق حفرة في التاريخ لتوليد الكهرباء في أمريكا ليس مجرد إنجاز هندسي، بل رؤية طموحة لمستقبل الطاقة النظيفة، إذا نجحت "كواز إنرجي" في تحقيق أهدافها، فقد نشهد تحولا جذريا في طريقة إنتاج الطاقة، مما يعزز الأمل في عالم أكثر استدامة.
ومع استمرار التقدم العلمي، تبقى هذه المغامرة شاهدا على قدرة البشرية على تحدي المستحيل واستغلال موارد الأرض لصالح الأجيال القادمة في توفير الطاقة النظيفة من خلال خلق مصدرا جديدا سيمثل ثورة في مجال الطاقة العالمية.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
